تتنوع وتختلف قصص النجاح لآلاف الأشخاص أمامنا في كل زمان ومكان، ولكن قد تكون هناك قصص نجاح نجدها قريبة منا لحد كبير، تلمس تجاربنا وتقترب من ثقافاتنا وتُلهمنا لتصل لنا رسائلها بأنّ كل شيء ممكنًا ما دمنا نجتهد ونسعى كما فعل أصحاب هذه القصص، وهم شباب عرب حققوا نجاحات وإنجازات في بداية حياتهم وشبابهم وهم…
مي مدحت
“عندما أتأمل الرحلة، أتذكر أنّها لم تكن سهلة على الإطلاق ولكنها كانت مليئة بالتحدي ومليئة بالحماس، مررنا بلحظات نجاح ولحظات فشل”، مي مدحت متحدثة عن النجاح الذي حققته من خلال إنشائها للتطبيق العالمي (Eventtus) في لقاء أجرته أثناء حضورها للقمة العالمية للشركات الناشئة في ولاية كاليفورنيا، والذي أداره الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
مي تبلغ من العمر 28 عامًا، تخرجت من كلية الهندسة جامعة عين شمس، أنشأت مع صديقتها نهال تطبيق يسمى (Eventtus) وهو تطبيق إلكتروني مخصص للأحداث والفعاليات المُقامة في أي مكان، للعمل على تنظيمها والربط بين المنظمين وبين الحاضرين لها، وكذلك إمكانية حجز تذاكر هذه الفعاليات من خلال التطبيق.
تقول مي: “الأمر بدأ عندما حضرت فعالية لرواد الأعمال في مصر، ذهبت لأتعلم وأستمع عن ريادة الأعمال، ولكني كنت أشعر بأنّ هناك فجوة بين المنظّمين والحاضرين وأنّ التواصل بينهم لا يحدث بالشكل الأمثل، وبعدها بأسبوع حضرت (TedEx Cairo) ومررت بنفس التجربة، كنت أشعر أنّه يجب أن يكون هناك طريقة أفضل للمنظمين أثناء تنظيم فعالياتهم وللحاضرين أثناء مرورهم بهذه التجربة تجربة حضور الأحداث والفعاليات المحيطة بهم، والاستفادة بها قدر المُستطاع، لذلك بدأنا بعدها البحث، كنا شغوفين بما نقوم به، صدقّنا بأنفسنا وكان لدينا إيمان أنّنا سنحقق علامة فارقة في أي حدث أو فعالية، لذلك تركنا وظائفنا قبل أي شيء، وبدأنا التركيز بشكل كبير كعمل دائم في هذا المشروع، وفي النهاية استطعنا إنشاء تطبيق تفاعلي متشابك بنسبة تواصل تصل إلى 86% في أغلب الفعاليات، نجحنا في مساعدة الناس لربطهم بأي أحداث أو فعاليات يهتّمون بها، لدينا فريق عظيم وافتتحنا شركتنا في القاهرة ودبي”.
قد تقابلنا كثير من النماذج الشابة التي ننبهر بنجاحها وتحقيقها للإنجاز في بداية حياتها، لكن المُلفت في حكاية مي، أنّها تُشبه كثير من الشباب المصري بشكل خاص والشباب العربي بشكل عام، فتاة تلقت التعليم الذي يتلقاه أغلبنا، نشأت في مصر وكبرت فيها، تعرّضت للظروف التي يعيشها أغلبنا، ولكن تأتي تجربتها لتُثبت لنا أنّ النجاح لا يأتي من فراغ بل يأتي بعد بذل المزيد من الجهد وتطوير الذات.
عبد الله عبسي
عبد الله شاب مبادر من لبنان يبلغ من العمر 25 عامًا، يصفه البعض بأنّه مارك زوكربيرغ العربي وهو شاب تخلى عن دراسته الجامعية لشغفه الكبير في مجال ريادة الأعمال، صاحب ومنشئ موقع التمويل الجماعي (ذو مال Zoomal) الذي يهدف إلى دعم المشاريع العربية الإبداعية.
يقول عبد الله: “في بداية حياتي، أسست 6 شركات، ولكنهم فشلو فشلًا ذريعًا، وفي كل مرة كان أكبر أسباب الفشل هو التمويل، وفي يوم قررت تغيير مسار حياتي، ومن ثم أنشأت موقع “ذو مال” موقع التمويل الجماعي للمشاريع العربية الإبداعية، وهو موقع يدعم الشباب العرب الذين يبحثون عن تمويل مشاريعهم، وبدلًا من البحث عن مصدر تمويل واحد من شخص واحد، يستطيع صاحب المشروع للبحث عن أكثر من شخص يتحمس لفكرة مشروعه ويقوم بتمويلها”
وقع الاختيار على عبد الله ضمن قائمة أفضل 20 رجل أعمال رائد في لبنان، إلى جانب حصوله على أكثر من 10 جوائز في ريادة الأعمال وعلم الكمبيوتر.
ولقد تمكن موقع (ذو مال Zoomal) من جمع أكثر من 2 مليون دولار لتمويل كثير من المشاريع التنموية والتعليمية والإبداعية العربية التي خلقت الآلاف من الوظائف، وحققت أحلام كثير من الأشخاص، ويوجه عبد الله نصيحته للشباب العربي قائلًا: “إذا كنت شابًا عربيًا وتحلم بإصدار كتاب لك، أو إنتاج فيلمًا وثائقيًا، أو إنشاء تطبيقًا إلكترونيًا، أو نشر مبادرة اجتماعية أو غير ذلك من المشاريع، فآخر شيء يمكن أن يعطّل مسيرتك هو التمويل، وكل ما يجب أن تجتهد فيه أن تمتلك مشروع وفكرة ذات قيمة، وحينها ستجد من يدعمك ويمول مشروعك”.
وعن تحديه للعقبات التي كان يواجهها في طريقه يقول عبد الله: “أعتقد أنّ الأشخاص الذين نجحوا في مجال ريادة الأعمال حققوا نجاحاتهم تحديًا منهم لكل من وجّه لهم إحباطًا أو يأسًا، فهذا النوع من الإحباط الذي يأتي من بعض الناس حولك يكون دافعًا لإثبات أنّك قادر على تحقيق النجاح، قد لا أمتلك حياة اجتماعية ولا أملك كثيرًا من وقت الفراغ لكن قد يكون العمل ممتعًا لي أكثر من التنزه مع الأصدقاء، لذلك أنصح كل شاب أن يبدأ في البناء والتخطيط لنجاحه المهني في بداية حياته بمجرد أن يقرر ماذا يريد أن يفعل، قبل تخرجه من الجامعة والانخراط في الارتباط بأي وظيفة تقليدية يصعب التخلص منها في أي وقت”.
درار غانم
“لقد تركت وظيفتي لكي أحقق حلمي، كنت أحلم أن أشارك في بناء مجتمعي وأحقق تأثيرًا فعّاًلا لوطني فلسطين” يقول غانم ذلك صاحب ال27 عامًا صاحب مشروع “ابني فلسطين”، وهى منصة تهدُف لتمويل المشاريع الثقافية والإبداعية ذات التأثير الاجتماعي على المجتمع الفلسطيني.
استطاع مشروع غانم بحوالي 2500$ أن يقوم بتمويل مركز علاجي يُسمى (مدى)، وبحوالي 5000$ أن يقوم بتمويل منح دراسية لبعض اللاجئين الفلسطينيين.
يقول غانم: “في بداية مشواري كنت أشعر بالكثير من الضغط والتوتر، لكني كنت أتذكر حلمي بأنّي أريد أن أصنع مساحة للأشخاص لتطوير الأفكار ودعم المجتمع الفلسطيني، نحن كشباب فلسطيني نمتلك عقول واعدة ونمتلك قُدرات وإمكانيات كبيرة، قد يكون هناك الكثير من التحديات أمامنا، لكن هذا ما يملأ طريقنا بالحماس”.
علي دهماش
هو مؤسس ومدير شركة (Reach 2.0) لبرمجيات الحاسوب، وهي شركة رائدة في مجال التسويق الإلكتروني والإعلان بالأردن والإمارات العربية ومصر والولايات المتحدة.
وعودة إلى الوراء قليلًا يقول دهماش: “أتذكر جيدًا أني كي أفتتح الموقع وأقوم بطباعة بعض الكروت التعريفية بالشركة دفعت 1000$، لم أكن أملك مكتبًا للشركة ولا موظفين ولا عملاء، انتظرت شهر حتى يأتيني أول عميل، الآن وبعد أن توسعت الشركة أصبح هناك 35 موظفًا يعملون بها، ويتعامل معها عملاء من بلاد مختلفة”.
أكثر ما يُلفت النظر في قصة دهماش أنّه بعد نجاح شركته استغل هذا قُدراته الريادية في تقديم دعم للمجتمع، فأسس شركة تسمى (تحت شجرة الزيتون)، وهي منظمة غير ربحية تقدّم مساعدات للطلاب لدفع رسومهم الدراسية وتقديم دورات تدريبية تطوّر من مهاراتهم، في مقابل قضاء الطلاب لعدد ساعات معينة في العمل الخدمي المجتمعي، وحتى عام 2016، كان هناك 35 طالبًا تخرج من أصل 50 طالب كانت ترعاهم المؤسسة.
ويقول دهماش: “إنّ التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كانت من أحد أسباب نجاحه ونجاح المؤسسة الخيرية، فيقول أتذكر أني كتبت ذات مرة على حسابي على الفيسبوك أنّنا نريد مساعدة طالب كفيف بشراء لاب توب له لمساعدته في دراسته، وبعد 12 ساعة فقط استطعنا الحصول على اللاب توب، هذا الطالب ينهي الآن دراسته، وعلى وشك التخرج من الجامعة”، ويعتبر دهماش أحد الأمثلة التي استطاعت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها بطريقة إيجابية.
يشجّع دهماش الطلاب قائلًا: “كل ما تفعله مؤسستنا أنّنا نبعث أملًا في نفوس الشباب أنّ هناك طريقة لتحقيق أحلامهم وتكمن في العلم والتعلّم والدراسة”.
آية ومناز عبد الرؤوف
شعر كلًا من آية ومناز بسعادة غامرة عندما التُقطت صورة للممثلة الأمريكية “إيما روبرتس” وهي ترتدي حقيبة تحمل الماركة التي أسساها.
آية (26 عامًا) ومناز عبد الرؤوف (25 عامًا) هما أختان من مصر، درستا في الجامعة الأمريكية، قررتا بعد تخرجهما احتراف مجال الموضة لتُصبحا بعد ذلك من الوجوه المعروفة كمصممين عالميين للحقائب المصّنعة من الجلود الطبيعية.
تقول مناز: “بعد التخرج بدأنا رسم ملامح مشروعنا في مجال تصميم الحقائب من الجلود الطبيعية، ولم يكن الهدف الربح السريع أو صناعة ماركة جديدة وحسب، بل مساعدة النساء الغارمات في قرى ومحافظات مصر المختلفة ممن يحاولن تسديد ديونهن بجمع المال من الأعمال اليدوية اللاتي يستطعن القيام بها داخل منازلهن، مثل التطريز والتفنن في أعمال الكروشيه المختلفة”.
وتقول آية : “صناعة ماركة فى دنيا الموضة ليس بالأمر المستحيل ولكنه صعب؛ وذلك لأنّه من المفروض الوصول إلى أغلب الأذواق لأنّ إرضاء الناس غاية لا تنال بسهولة، ولكننا وُفقنا للوصول إلى هذه المرحلة وأصبحت ماركة “أختين” موجودة في أغلب العواصم العربية، والتي تُقدّم موديلات لحقائب مميزة من خامات مصرية 100%.
فمع إطلاق المشروع عام 2013، سعت الأختان الى وضع توجهات جديدة للموضة عبر تعزيز الحرفية المصرية، وطرح تصاميم جديدة على العالم كله مصنوعة في مصر لتنافس الماركات العالمية.
وهناك الكثير من النماذج الشابة التي لا نعرفها، تعمل جاهدةً كل يوم تاركةً بصمة وأثر في مجتمعاتها، تستحق التقدير، كلما تأملنا أحدها ستُلهمنا بقصة نجاح يتخلّلها الصبر والجهد والتضحية، فلا تقيس نجاحك بأن يعرفك الناس ويتحدّثون عنك، فكثير يملؤون الدنيا ضجيجًا، ولا أثر فيما يفعلونه، فإذا كنت تفعل شيئًا تُحبه تقدّم شيئًا يحمل قيمة لمن حولك مهما كان بسيطًا، فبالطبع أنت من أولئك العظماء المؤثرين الذين نتحدّث عنهم.